بذلت جهود ومحاولات عديدة عبر العصور الماضية
والحديثة لتصنيف المهن على أسس منظمة، وسوف يعرض الباحث نبذة عن تصنيف
المهن عند مجموعة من بعض علماء المسلمين علها تعطي تصور عن واقع تلك الحرف
والمهن في العصور الإسلامية الماضية التي سبقت التصنيفات الحديثة، ويمكن
عرض تلك المحاولات التي صنفت الوظائف المهنية قديماً وحديثاً كالتالي:
تصنيف إخوان الصفا:
يرى إخوان الصفا أن هناك حرفاً خادمة للمهن الثلاثة الضرورية وهي:
(1) مهنة الحراثة: وتقوم على مهنة الحراثة عدة حرف خادمة لها مثل:
النجارة – الحدادة ( صناعة الحديد ) – صناعة المعادن, وصنائع
أخرى.وتكون متممة لها عدة حرف مثل: الدق والطحن والعصر – الخبز –
الطبخ.وكل من الدق والطحن والعصر والخبز والطبخ تحتاج إلى حرفة أخرى متممة
لها.
(2) مهنة الحياكة: وتقوم على مهنة الحياكة عدة حرف خادمة لها مثل:
وكل من هذه الحرف تحتاج إلى حرف أخرى متممة لها وخادمة.
(3) مهنة البناء: وتقوم على مهنة البناء عدة حرف خادمة لها مثل:
النجارة – الحدادة.
ويرى إخوان الصفا أن هناك بعض الصنائع أشرف من الأخرى,
تلك الصنائع الشريفة هي:صناعة آلات الرصد مثل الإسطرلاب وذوات الحلق –
صناعة الصواغين – ضرب الدنانير – الحمامين والسمادين والكناسين – العطارين –
المشعوذين – المصورين – الموسيقيين.وعموماً نستطيع القول بأن تصنيف المهن
والحرف عند إخوان الصفا كالتالي:
صنائع ضرورية: وتشمل: الحراثة – الحياكة – البناء.
صنائع خادمة.
صنائع شريفة: وتشمل: صناعة آلات الرصد – صناعة الأكر الممثلة
بصورة الأفلاك – صناعة الدنانير – ضرب الدنانير – الحمامين والسمادين
والكناسين – العطارين – المشعوذين – المصورين – الموسيقيين.
صناعة الزينة والجمال: وتشمل الصنائع الآتية: صناعة الديباج – صناعة الحرير – صناعة العطر وما شاكلها.
وعموماً نستطيع القول بأن إخوان الصفا يرون: "أن أكثر
الصنائع أهلها متفاوتون في منافعها كاختلافهم في الملبوسات والمأكولات
والمشروبات والمسكونات" أي أنهم يرون أن الصنائع تختلف باختلاف الزمان
والمكان(رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا، 1982).
تصنيف أبي حامد الغزالي:
يرى الإمام الغزالي- رحمه الله - أن الغزالي يرى أن المهن والحرف تنقسم إلى:
مهن ضرورية دعت الحاجة إليها وتشمل:
الزراعة – الحياكة – البناء – السياسة – الحجامة.
حرف ومهن خادمة لهذه المهن السابقة ومنها على سبيل المثال:
- الحدادة: إذ تخدم الزراعة بإعداد آلاتها.
- الحلاجة: إذ تخدم الحياكة بإعداد مادتها.
- الغزل: وتخدم الحياكة أيضاً.
3. حرف ومهن متممة, ومنها على سبيل المثال:
- الخبز والطحن: وهي متممة للزراعة.
- القصارة: وهي متممة للخياطة.
- التعمق في دقائق الحساب.
- التعمق في حقائق الطب(الغزالي،د.ت)
ويرى الباحث أن هناك شبه إجماع بين إخوان الصفا والإمام
الغزالي على ضرورة الحراثة والحياكة والبناء كمهن ضرورية في المجتمع لا
يستطيع الاستغناء عنها, وربما يرجع ذلك – من وجهة نظر الباحث إلى عدة
أسباب:
1)اتباع منهج واحد ومصدر واحد ( القرآن الكريم والسنة النبوية ) وهما يؤكدان على تلك المهن.
2) إن الغزالي –رحمه الله- قد تأثر بكتاباتهم, فالملاحظ
أن كلاً منهم قد بدأ المهن الضرورية بالحراثة ثم الحياكة ثم البناء, وإن
كلاً منهم قد قسم المهن إلى ضرورية وخادمة ومزينة.
أسهم الفيلسوف المسلم عبدالرحمن ابن خلدون -رحمه
الله- في تصنيف الأفراد بحسب المهن وذلك في القرن الرابع عشر الميلادي- أي
قبل جهود كثير من العلماء بزمن طويل- فكتب في مقدمته" مقدمة ابن خلدون" عن
تحليل خصائص العاملين في بعض المهن وبخاصة في مهنة التجارة وهو ما يعرف
بتحليل الفرد اليوم، كذلك كتب عن متطلبات المهن ويسمى اليوم عند المتخصصين
في علم النفس المهني والصناعي والتنظيمي بالدراسة الوصفية للمهن، أو تحليل
العمل(طه، 2001)، (عبدالله،2004). كما قام ابن خلدون -رحمه الله- أيضاً
بتصنيف المجتمع الحضري إلى فئات (مجموعات)مهنية. حيث يقول: في الإشارة إلى
أمهات الصنائع: "اعلم أن الصنائع في النوع الإنساني كثيرة لكثرة الأعمال
المتداولة في العمران، فهي بحيث تشذ عن الحصر ولا يأخذها العد" ويعلل أسباب
تعدد المهن والوظائف بسبب زيادة الكثافة السكانية والتجمع البشري في
المدن. بعد ذلك قام بتصنيف المهن المتعددة والمتنوعة إلى مجموعتين:
أ)مجموعات مهنية ضرورية كالفلاحة، و البناء، والخياطة، والنجارة، والحياكة.
ب)مجموعات مهنية شريفة( مرموقة) كالتوليد، والكتابة،
والوراقة، والغناء، والطب. ويلاحظ أن تصنيف المهن عند ابن خلدون – رحمه
الله- قد أعتمد على نوع النشاط الذي يقوم به الفرد، ونوع العمل الذي يمارسه
الفرد(ابن خلدون، د.ت).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق